ميزان القوة بين الفصائل المتصارعة الموالية للتحالف السعودي بـ”عدن” .. ما هي خيارات جميع الأطراف ودور التحالف السعودي..؟
يمنات
أتى إعلان «المقاومة الجنوبية» في عدن، مدوّياً ومفاجئاً للجميع، بما ذلك حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي. مهلة الأسبوع التي حدّدتها لتغيير الحكومة، ستنقضي سريعاً مفسحة بالمجال أمام خيارات، ربما تكون مكلفة وصعبة.
خارطة التحالفات جنوباً بعد ذلك التاريخ ستتغير وفق الإعلان، الذي عدّه مراقبون، تحولاً سياسياً كبيراً لا يقلّ أهميته عن واقعة مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، في صنعاء مطلع ديسمبر الماضي، والتي شكّلت فارقة بكل المقاييس في الحاضر اليمني، لأن صالح ظلّ طوال 33 عاماً هو النظام والدولة والجيش والحزب الأكبر في البلاد، وحول شخصه دارت أفلاك وشخصيات ومراكز قوى اقتصادية وحزبية وقبلية، ولولا أن الحرب الدائرة في البلاد منذ 3 سنوات تتصدر المشهد اليوم، لظهر حجم التغيير الهائل الذي أحدثه مقتل صالح على كافة الأصعدة والمستويات شمالاً.
فغياب صالح عن المشهد، لا شك غيّب معه إمبراطوريات اقتصادية كبيرة، باتت اليوم تتعرّض للانهيار، وكذلك كان لغيابه التأثير البالغ في خفوت أصوات العديد من الشخصيات الحزبية والسياسية. ولأن الهزات الارتدادية في البلدان التي يشدّ حكامها حبال نهضتها حول خواصرهم سرعان ما تتهتك وتتفتت بفعل قوّة وحجم ارتطامها بالواقع الجديد المغاير تماماَ لواقع الزعيم الأوحد، فكذلك هو الحال في اليمن.
ومع أن الاختلاف واضح بين المثالين، غير أن الشاهد هو في حجم التحوّل الذي أحدثه مقتل صالح على كل المستويات في صنعاء، وبين المشهد الذي من المتوقع أن يحدثه بيان عدن في الجنوب قريباً، بفرضية أن التغيير الذي طالبت به “المقاومة” لن يكون متاحاً إلا بقوّة السلاح. الأمر الذي يضع “المقاومة” و “الشرعية” أمام الاختبار الصعب. فمَن منهما سيخرج رابحا..؟
عسكريّاً
الحكومة «الشرعية» هي الأضعف مقارنة بحجم القوّة التي تملكها «المقاومة الجنوبية». فالجيش الموالي لـ«الشرعية» بقيادة قائد المنطقة العسكرية الرابعة اللواء فضل حسن، لن يتدخل في أتون أيَ صراع عسكري متوقع قد يندلع بين «المقاومة» والحكومة في عدن لاعتبارات عديدة؛ فالجيش إلى جانب توزع قواته على جبهات القتال، لن يكون بمقدور قادته إرغام جنوده وضباطه على الانحياز إلى صف الحكومة، لأن أغلبية أولئك الضباط والجنود ينتمون إلى قوات «المقاومة الجنوبية».
ليبقى رهان الحكومة معقوداً على ألوية الحماية الرئاسية، والتي تتوزع وحداتها بين تيارات مختلفة تصل حدّ التناقض. فاللواء الثالث في جبل حديد بقيادة المقدم حيدان، يتألف من 300 فرد بينهم 158 من عناصر حزب «الإصلاح»، فيما يشتكل النصف الآخر من مجندين غير مؤطرين حزبياً، فيما يناصر بعضهم تنظيمي «القاعدة» و«الدولة» علناً.
لواء النقل بقيادة مهران القباطي، ومقرّة مديرية دار سعد، يتشكّل أغلب عناصره، وعددهم 450، من سلفيي دماج، أُضيف إليهم مجندون من أبناء حي دار سعد جرى تسجيلهم بعد «تحرير» مدينة عدن.
تمتلك ألوية الحماية الرئاسية 230 طقماً عسكرياً وأسلحة «دوشكا» و«أربي جي» و83 صاروخاً حرارياً أرسلت إلى عدن من محافظة مأرب في شهر يونيو 2017م.
اللجان الشعبية في محافظة أبين، والتي ينقسم أفرادها بين قائد اللجان في أبين عبد اللطيف السيّد – كان من بين قيادات المقاومة التي وقعت بيان عدن – ووزير الداخلية الجديد المعين من قبل الرئيس هادي المهندس أحمد الميسري، الذي لم يتسنَ له بعد تجميع العديد منهم لقصر الفترة التي تسلم فيها مهام وزارة الداخلية خلفاً لمواطنه حسين محمد عرب.
واستطاع الميسري قبل توليه حقيبة الداخلية بأيام إدخال 56 طقماً عسكرياً من سلطنة عُمان عبر محافظة المهرة إلى محافظة عدن.
و تفتقر ألوية الحماية الرئاسية إلى العربات المصفحة والأسلحة الثقيلة، لذلك فقد كان من بين شروط الرئيس هادي لإخراجها من عدن، تزويدها من قبل «التحالف» بأسلحة ثقيلة، بينها الدبابات، وهو ما رفضه «التحالف» بشدة.
تسليح المقاومة
تتفوق وحدات «المقاومة الجنوبية» عدّة وعتاداً على القوات الحكومية، وهي تتألف من:
– 3 ألوية تابعة لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» تمتلك من ضمن عتادها دبابات ومصفّحات.
– لواءين تابعين للواء شلال شائع مدير أمن عدن.
– 6 ألوية دعم وإسناد تشكيل قوات «الحزام الأمني».
– ألوية «الحزام» في لحج الحبيلين يافع أبين.
– قوات «النخبتين» الحضرمية والشبوانية.
– قوات «المقاومة» في الضالع، والتي تمتلك دبابات، ويصل عدد أفرادها إلى أكثر من 3 آلاف مقاتل مدرّب خاض معظمهك حرب تحرير الضالع.
– قوّة لجان شعبية مسلّحة في كل من يافع وردفان وشبوة وأبين أعلنت استعدادها للانضمام إلى «المقاومة» في عدن.
ارتدادات سريعة
كان البيان مفاجئاً لحكومة ابن دغر، فهي لم تتوقع أن توضع في اختبار حقيقي محدود زمنياً، خاصة وأنها كانت تعوّل على ولاء كثير من قيادات «المقاومة» المناهضين لـ«المجلس الانتقالي» ليكونوا هم خط الدفاع الأول عنها حال حمي الوطيس.
سربت مواقع تابعة للحكومة خبر منع الطائرة الإماراتية من الهبوط في مطار عدن الدولي، معتبرة أن إعلان «المقاومة» بعدن كان بإيعاز من أبوظبي وبمباركة منها، خاصة أن البيان تلاه أبو اليمامة، رجل تحرير أبين من عناصر «القاعدة».
عززت الحكومة من إجراءاتها الأمنية حول قصر «معاشيق»، الذي يتواجد فيه أعضاؤها بينهم حمود الهتار، والذي هدد باللجوء إلى «الأخوة في تركيا لحماية الوحدة حال تخلى عنا الأشقاء»، كما قال في حديث غاضب (لم يُنشر) في أروقة قصر «معاشيق» رداً على بيان «المقاومة».
كان جناح «الإخوان» في حكومة هادي يسعى بالفعل إلى تفجير الوضع عسكرياً في عدن، لكن ليس الآن، فقواته لم تستكمل تجهيزاتها بعد، حيث اشترت قبل شهر تقريباً 56 طقماً عسكرياً من عُمان لصالح وزير الداخلية الجديد أحمد الميسري.
يعتقد موالون للحكومة أن البيان كان بتشجيع وبضوء أخضر إماراتي، بعد أن فشلت كل الجهود السعودية في التقريب بين الطرفين.
و تسعى الحكومة منذ مدة طويلة إلى إعادة السيطرة على المنافذ البرية والبحرية التي خسرتها لصالح قوات «الحزام الأمني» في عدن وحضرموت وشبوة، وهي ترى أن وزيرَي النقل والداخلية الجديدين، سيمكّناها من استهداف التواجد الإماراتي، في عدن تحديداً، وقد شرعا بذلك فعلاً.
شعبياً
خسرت حكومة بن دغر الكثير بإخفاقها في ملفات الاقتصاد الذي يتهاوى بفعل ارتفاع سعر الدولار وعدم قدرتها على حل ملفات المشتقات النفطية الغائبة منذ أكثر من 6 أشهر متتالية، بالإضافة إلى تورط العديد من أعضائها في ملفات فساد مالي وإداري، ناهيك عن عجزها على تحقيق أي انتصارات عسكرية على مختلف الجبهات منذ أكثر من 3 سنوات.
مسارات المعركة المحتملة
خيارات المقاومة
ستلجأ «المقاومة» بداية إلى ممارسة ضغط على الحكومة من خلال الحد من حركتها ومنع دخول أي من أعضائها المنتمين إلى المحافظات الشمالية إلى عدن، باعتبار أنها تتحكم بكافة المنافذ الجوية والبرية والبحرية في عدن. كما ستمنع عقد أي جلسة لمجلس النواب في عدن، باعتبار أن ذلك كان بنداً تضمّنه «إعلان عدن».
من المتوقع أن تلجأ «المقاومة» أيضاً إلى منع أي تحرك عسكري لألوية الحماية الرئاسية في عدن خارج معسكراتها. وستبدأ بموازاة ذلك، بتحريك الشارع الساخط نتيجة فشل الحكومة في تحقيق أي من تطلعاته.
و في حال تمكن «التحالف» من الضغط على «المقاومة» ومنعها من تفجير الوضع عسكريّاً، فإن ذلك بحسابات الشارع الجنوبي، إن حدث، سيفقدها الكثير من رصيدها شعبياً، وهو ثمن باهظ جداً بالنسبة لها.
خيارات الحكومة
أما في ما يخصّ حكومة هادي، فإن خياراتها تتراوح بين التهديد بإصدار بيان تطالب فيه «التحالف»، وتحديداً الإمارات، بوقف التدخل في الشأن اليمني. والضغط لإيجاد حلول سريعة لأزمة المشتقات النفطية في عدن ومحيطها بدعم من «التحالف». والتلويح بتدخل القوات الموالية لحزب «الإصلاح» في مأرب لقمع أي محاولات «تمرّد» على «الشرعية» في عدن خاصة، والجنوب ككل. وربما سيصل بها الأمر إلى إعلان وقف الحرب، من جانب واحد، والدخول في حوار مباشر مع «الحوثيين» للوصول إلى تسوية سياسية.
موقف التحالف
ربما يعي «التحالف» جيداً أن «المقاومة الجنوبية» بإمكانها حسم أي معركة عسكرية مع الحكومة في «معاشيق»، لكنه يعلم جيداً، وإن كان ليس بموقف واحد حيال ذلك، أن الرئيس هادي وباقي القوى السياسية المنضوية في إطار «الشرعية»، باتت بحاجة إلى «نكز» وبقوّة توازي الهزّة الكهربائية، لجعلها تكفّ عن المراوغة في التقدّم في الجبهات، وابتزاز «التحالف» إلى ما لا نهاية.
المصدر: العربي
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا